ما من فتاة في الدنيا إلا وهي بإنتظار فارس الأحلام يأتي على فرس أبيض ينقلها إلى دنيا السعادة..إلى القفص الذهبي، والعالم الوردي.
وكل يوم تكبر فيه الفتاة تكبر معها ريشتها، ويزداد بين يديها عدد الألوان التي تزخرف بها اللوحة التي رسمتها في مخيلتها عن ذلك الفارس المنتظر! ولكن ما إن يتقدم إليها الكفء في الظاهر والذي لا يمكن رده إلا وتتخبط الفتاة في دهاليز الخوف والقلق والحيرة بين الحاجة النفسية والإجتماعية التي تدعوها إلى طلب معرفة الخاطب وصفاته وطباعه قبل الإقتران، وبين قواعد الشرع التي تمنع التعارف قبل الزواج!!
ومن تأملت هذا الدين السمح الحنيف وجدت فيه من التشريعات ما يطمئن معها قلبها وترتاح إليها نفسها وتقدم على مرادها -بإذن الله تعالى- طائعة مختارة.
ومن تلك التشريعات أن الله تعالى أذن لوليها أن يسأل عن ذلك الخاطب، بل لم يجعل الطعن فيه -بما هو حقاً فيه- من قبل الغيبة المحرمة، فلما إستشارت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها النبي صلي الله عليه وسلم في معاوية بن أبي سفيان، وأبي جهم حين خطباها قال: «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له........ » الحديث.
وكما قال الشاعر:
القدح ليس بغيبة في ستةٍ *** متظلم ومعرف ومحذر
مجاهر فسق ومظلوم ومن *** طلب الإعانة في إزالة منكر
كما شرع الله تعالى لها أيضاً الاستخارة فيما ستقدم عليه، فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعلمنا الإستخارة فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي قَالَ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ.
وما خاب من استخار، ولا ندم من إستشار! ولا يشترط أن ترى بعدها رؤيا، أو يأتيها إحساس بشيء معين بل ما أقدمت عليه بعد استخارتها فهو ما اختاره الله تعالى لها.
ومما شرع الله تعالى لها أيضاً النظرة الشرعية في أيام الخطبة، فللخاطب أن ينظر إليها ولها أن تنظر إليه ؛ لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه خطب امرأة فقال النبي صلي الله عليه وسلم: «أنظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما».
وللنظر إلى المخطوبة شروط وضوابط معتبرة عند أهل العلم منها: أن يكون مع المخطوبة محرم، وأن ينظر منها إلى ما يظهر من النساء غالباً إلى غير ذلك من الشروط مما ليس هذا مكان بسطه.
وبعد كل تلك المراحل والتحريات فالقرار الأول والأخير بيديها، ولا يستطيع أحد مهما كان أن يجبرها أو يكرهها على من لا تريد لحديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: لَا تُنْكَح الْأَيِّم حَتَّى تُسْتَأْمَر، وَلَا تُنْكَح الْبِكْر حَتَّى تُسْتَأْذَن»، قَالُوا يَا رَسُول اللَّه وَكَيْف إِذْنهَا؟ قَالَ: «أَنْ تَسْكُت»، وفي رواية: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا».
قال الإمام النووي رحمه الله أثناء شرحه لهذا الحديث: وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَة «أَحَقّ» هُنَا لِلْمُشَارَكَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا فِي نَفْسهَا فِي النِّكَاح حَقًّا، وَلِوَلِيِّهَا حَقًّا، وَحَقّهَا أَوْكَد مِنْ حَقّه فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ تَزْوِيجهَا كُفُؤًا وَامْتَنَعَتْ لَمْ تُجْبَر، وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّج كُفُؤًا فَامْتَنَعَ الْوَلِيّ أُجْبِرَ، فَإِنْ أَصَرَّ زَوَّجَهَا الْقَاضِي، فَدَلَّ عَلَى تَأْكِيد حَقّهَا وَرُجْحَانه... ا.هـ
وقال الإمام الترمذي رحمه الله معلقاً على هذا الحديث: مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُزَوِّجُهَا إِلَّا بِرِضَاهَا وَأَمْرِهَا... ا.هـ
وبعدُ ترى أن الله تعالى نظم كل تلك التشريعات ضماناً وصيانة لحق المرأة، وإحتراماً لرأيها، وحفظاً لتلك الرحم التي ستكون قراراً للعلماء والعظماء، وصناع التاريخ، وقادة الأمة بإذن الله، فهو سبحانه حين حرم إنشاء العلاقات قبل الإقتران، لم يترك الأمر هملاً ولا عبثاً بل أنشأ سبحانه منطقة خضراء تتفيأ فيها الفتاة وارف ظلال العدل والرحمة، وتقطف من ثمار الطمأنينة والحكمة، لتنعم بالعيش الرغيد في ظل هذا الدين العظيم ولله الفضل والمنة.
الكاتب: وفاء العلي.
المصدر: موقع رسالة المرأة.